سورة مريم - تفسير تفسير الواحدي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (مريم)


        


{قال} جبريل عليه السَّلام: {إنَّما أنا رسول ربّك لأهب لك غلاماً زكياً} ولداً صالحاً نبيَّاً.
{قالت أنَّى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر} ليس لي زوجٌ {ولم أك بغياً} ولست بزانيةٍ.
{قال كذلك} أَيْ: الأمر كما وصفت لك. {قال ربك هو عليَّ هيِّن} أن أهب لكِ غلاماً من غير أبٍ {ولنجعله آية} علامةً للنَّاس على قدرة الله تعالى {ورحمةً منا} لمّنْ تبعه على دينه {وكان} ذلك {أمراً مقضيّاً} قضيت به في سابق علمي، فرفع جبريل عليه السَّلام جانب درعها، فنفخ في جيبها، فحملت بعيسى عليه السَّلام، وذلك قوله سبحانه: {فحملته فانتبذت به} تباعدت بالحمل {مكاناً قصياً} بعيداً من أهلها في أقصى وادي بيت لحم، وذلك أنَّها لمَّا أحسَّت بالحمل، هربت من قومها مخافة اللائمة.
{فَأَجاءَها المخاض} وجع الولادة {إلى جذع النخلة} وذلك أنَّها حين أخذها الطَّلق صعدت أكمة، فإذا عليها جذع نخلةٍ، وهو ساقها ولم يكن لها سعفٌ، فسارت إليها وقالت جزعاً ممَّا أصابها: {يا ليتني مت قبل هذا} اليوم وهذا الأمر {وكنت نسياً منسياً} شيئاً متروكاً لا يُعرف ولا يُذكر، فلمَّأ رأى جبريل عليه السَّلام وسمع جزعها ناداها من تحت الأكمة.


{فناداها من تحتها ألاَّ تحزني قد جعل ربك تحتك سرياً} نهر ماءٍ جارٍ، وكان تحت الأكمة نهرٌ قد انقطع الماء منه، فأرسل الله سبحانه الماء فيه لمريم.
{وهزي} وحرِّكي {إليك} إلى نفسك {بجذع النخلة تُسَاقط} النَّخلة {عليك رطباً جنياً} غضَّاً ساعةَ جُني، وذلك أنَّ الله تعالى أحيا لها تلك النَّخلة بعد يبسها، فأورقت وأثمرت وأرطبت.
{فكلي} من الرُّطب {واشربي} من الماء السَّري {وقري عيناً} بولدك {فإمَّا ترينَّ من البشر أحداً} فسألك عن ولدك، ولامَك عليه {فقولي إني نذرت للرحمن صوماً} صمتاً، أَيْ: قولي له: إني أوجبت على نفسي لله سبحانه أن لا أتكلَّم، وذلك أنَّ الله تعالى أراد أن يظهر براءتها من جهة عيسى عليه السَّلام يتكلَّم ببراءة أمِّه وهو في المهد، فذلك قوله: {فلن أكلم اليوم إنسياً}.
{فأتت به} بعيسى بعد ما طهرت من نفاسها {قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئاً فرياً} عظيماً منكراً، ولداً من غير أبٍ!
{يا أخت هارون} كان لها أخٌ صالحٌ من جهة أبيها يسمَّى هارون. وقيل: هارون رجلٌ صالحٌ كان من أمثل بني إسرائيل، فقيل لمريم: يا شبيهته في العفاف {ما كان أبوك} عمران {امْرَأَ سوء} زانٍ {وما كانت أمك} حنَّة {بغياً} زانيةً، فمن أين لك هذا الولد من غير زوجٍ؟
{فأشارت} إلى عيسى بأن يجعلوا الكلام معه، فتعجَّبوا من ذلك وقالوا: {كيف نكلم من كان في المهد صبياً} يعني: رضيعاً في الحِجْر.
{قال} عيسى عند ذلك: {إني عبد الله} أقرَّ على نفسه بالعبوديَّة لله سبحانه {آتاني الكتاب} علَّمني التَّوراة. وقيل: الخطَّ.
{وجعلني نبياً وجعلني مباركاً} معلِّماً للخير أدعو إلى الله تعالى {أينما كنت وأوصاني بالصلاة} أمرني بالصلاة {والزَّكاة} الطَّهارة {ما دمت حيَّاً}.
{وبرَّاً} لطيفاً {بوالدتي}.
{والسلام عليَّ يوم ولدت...} الآية. أَيْ: السَّلامة عليَّ من الله تعالى في هذه الأحوال.
{ذلك عيسى ابنُ مريم} أَيْ: الذي قال: {إني عبد الله آتاني الكتاب...} الآية، هو عيسى ابن مريم لا ما يقول النَّصارى مِنْ أنَّه إله، وإنَّه ابن الله، {قول الحق} أيْ: هذا الكلام قول الحقِّ، والحقُّ: هو الله سبحانه. وقيل: معنى قول الحقِّ: أنَّه كلمةُ الله {الذي فيه يمترون} يشكُّون. يعني: اليهود، يقولون: إنَّه لِزَنيةٍ، وإنَّه كذَّاب ساحر، ويقول النَّصارى: إنَّه ابن الله.
{ما كان لله} ما ينبغي له سبحانه {أن يتخذ من ولد} أَيْ: ولداً {سبحانه} تنزيهاً له عن ذلك {إذا قضى أمراً} أراد كونه {فإنَّما يقول له كن فيكون} كما قال لعيسى: كن فكان من غير أبٍ.


{وإنَّ الله ربي وربكم} هذا راجعٌ إلى قوله تعالى: {وأوصاني بالصَّلاة} وأوصاني بأنَّ الله ربِّي وربُّكم {فاعبدوه} {هذا} الذي ذكرت {صراط مستقيم}.
{فاختلف الأحزاب} يعني: فرق النَّصارى {من بينهم} فيما بينهم، وهم النّسطورية واليعقوبيَّة والملكانية {فويلٌ للذين كفروا من مشهد يوم عظيم} يريد: مشهدهم يوم القيامة.
{أسمع بهم وأبصر} ما أبصرهم بالهدى يوم القيامة وأطوعهم أنَّ عيسى ليس الله، ولا ابن الله، سبحانه، ولا ثالث ثلاثة، ولكن لا ينفعهم ذلك مع ضلالتهم في الدُّنيا، وهو قوله: {لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين} من أمرعيسى والقول فيه.
{وأنذرهم} خوِّفهم يا محمَّد {يوم الحسرة} يوم القيامة حين يُذبح الموت بين الفريقين {إذْ قضي الأمر} أُحكم وفرغ منه {وهم في غفلة} في الدُّنيا من ذلك اليوم {وهم لا يؤمنون} لا يُصدِّقون به.

1 | 2 | 3 | 4 | 5